لو ذهبنا إلى دليل الخطاب لزم التناقض بين السابق واللاحق، وهو نوع من أنواع الكنايات، وفائدة انضمام هذه القرينة مع الأولى ومجيء الإلحاف المنفي فيها: المبالغة والتوكيد في نفي السؤال، فهي كالتذييل أو التتميم، ولها طريقان، أحدهما: جيء بها مشتملة على نفي التابع بالمتبوع ليؤذن بأن المتبوع بلغ في الانتفاء إلى درجة يصح جعله دليلاً على نفي الغير، فيلزم بذلك نفيه على سبيل القطع والبت، قال المصنف في قوله تعالى:(وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ): الفائدة في ذكر الصفة ونفيها هي أن تضم الصفة مع الموصوف ليقام انتفاء الموصوف في مقام الشاهد على انتفاء الصفة، فيكون ذلك إزالة لتوهم وجود الموصوف. وثانيهما: أتى بالقرينة الثانية متضمنة للتابع والمتبوع ليكون انتفاء التابع ذريعة إلى انتفاء المتبوع بالطريق الأولى، وهذا إنما يتأتى فيما فيه الوصف في الدرجة القصياء في بابه كالإلحاح فيما نحن فيه، فنقول: ليس لهم سؤال في حالة الاضطرار، وانتفاؤه في غيرها بالطريق الأولى، أي: لو وجد منهم سؤال لم يكن إلا على ذلك التقدير؛ لأن المضطر له ذلك، وأولئك لا يسألون أيضاً هذا السؤال عند الاضطرار، فأفاد أنهم يشرفون على الهلاك ولا يسألون، فظهر من هذا قوة إيراد الإمام، اللهم إلا أن يقال: إن المراد إثبات السؤال على الفرض والتقدير ومن ثم جاء بـ "إن"، التي للشك، وليس بقوي أيضاً، وقال أبو البقاء:(لا يَسْأَلُونَ): حال، ويجوز أن يكون مستأنفاً، و (إِلْحَافاً): مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف دل عليه (يَسْأَلُونَ)، فكأنه قال: لا يلحفون، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال، تقديره: لا يسألون ملحفين.