للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: كما يقوم المصروع من جنونه، والمعنى: أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين، تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف. وقيل الذين يخرجون من الأجداث يوفضون إلا أكلة الربا، فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين؛ لأنهم أكلوا الربا فأرباه اللَّه في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإيفاض. (ذلِكَ) العقاب بسبب قولهم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا). فإن قلت: هلا قيل: إنما الربا مثل البيع؛ لأنّ الكلام في الربا لا في البيع؛ فوجب أن يقال: إنهم شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه، وكانت شبهتهم أنهم قالوا: لو اشترى الرجل ما لا يساوي إلا درهماً بدرهمين جاز، فكذلك إذا باع درهماً بدرهمين! قلت: جيء به على طريق المبالغة؛ وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلاً وقانوناً في الحل حتى شبهوا به البيع، وقوله: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) إنكار لتسويتهم بينهما، ودلالة على أنّ القياس يهدمه النص؛ لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال اللَّه وتحريمه.

(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) فمن بلغه وعظ من اللَّه وزجر بالنهي عن الربا (فَانْتَهى): فتبع النهى وامتنع، (فَلَهُ ما سَلَفَ) فلا يؤخذ بما مضى منه؛ لأنه أخذ قبل نزول التحريم (وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) يحكم في شأنه يوم القيامة، وليس من أمره إليكم شيء فلا تطالبوه به. (وَمَنْ عادَ) إلى الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)، ......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (مخبلين)، النهاية: الخبل، بسكون الباء: فساد الأعضاء، يقال: خبل الحب قلبه: إذا أفسده.

قوله: (يوفضون)، الجوهري: ألوفض: العجلة، وأوفض واستوفض: أسرع.

قوله: (على طريق المبالغة). هذا يسميه ابن الأثير في البيان بالطرد والعكس؛ لأن حق المشبه به أن يكون أعرف بجهة التشبيه وأقوى، فإذا عكس صار المشبه أقوى من المشبه به. وهو المراد بقوله: "إنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلاً وقانوناً في الحل".

<<  <  ج: ص:  >  >>