للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا دليل بين على تخليد الفساق. وذكر فعل الموعظة لأنّ تأنيثها غير حقيقى، أو لأنها في معنى الوعظ. وقرأ أبيٌّ والحسن: (فمن جاءته). (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا): يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه. وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه: الربا وإن كثر إلى قلّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (هذا دليل بين على تخليد الفساق) يعني: أن قوله: (الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا) عام في الكفار والفساق، وكذا قوله: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)، وكذا (وَمَنْ عَادَ)، وأن قوله: (فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وَمَنْ عَادَ) مترتب عليه، فوجب أن يدخلوا في حكم هذا الوعيد.

الانتصاف: مفعول (وَمَنْ عَادَ) محذوف، ولا نسلم أن المراد العود إلى الربا، بل عاد إلى ما سلف ذكره، وهو فعل الربا واعتقاد حله والاحتجاج عليه بقياس في معرض النص، ومن فعل ذلك كفر. قال الإمام: المراد: ومن عاد إلى استحلال الربا حتى يصير كافراً، فعلى هذا قوله: (فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) مخصوص بهؤلاء، أقصى ما في الباب أنا خالفنا هذا الظاهر وأدخلنا سائر الكفار فيه، وهذا التقدير مشترك الإلزام؛ لأن تخصيص الخلود لهؤلاء على ما ذهبتم يفيد أن حكم غير هؤلاء من الفساق غير هذا فيلزمكم خلاف الظاهر أيضاً. وقلت: ويقوي قول صاحب "الانتصاف": أن الضمير في (فَانتَهَى) و (عَادَ) راجع إلى مجموع آكلي الربا والقائل باستحلاله، ولأن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا) إلى قوله: (وَلا تُظْلَمُونَ) وارد في المؤمنين، وهو مقابل لهذه الآيات، فوجب حملها على الكفار ليصح التضاد والتقابل، فيكون قوله: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) مجرى على ظاهره، فلا يحمل على التغليظ كما ذهب إليه المصنف، ويؤيده وضع المظهر، وهو (كَفَّارٍ) موضع ضمير (وَمَنْ عَادَ) إشعاراً بأن العائد إلى الاستحلال مبالغ في الكفر عامة، ولذلك أوثر صيغة "فعال".

قوله: (وعن ابن مسعود: الربا وإن كثر إلى قل)، والمذكور في "مسند الإمام أحمد بن حنبل":

<<  <  ج: ص:  >  >>