ألا ترى إلى قوله:(وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ)[الكهف: ٦٣]، والشيطان لا يقدر على فعل النسيان، وإنما يوسوس فتكون وسوسته سبباً للتفريط الذي منه النسيان؟ ولأنهم كانوا متقين اللَّه حق تقاته، فما كانت تفرط منهم فرطة إلا على وجه النسيان والخطأ، فكان وصفهم بالدعاء بذلك إيذاناً ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به، كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به، فما فيهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان. ويجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل اللَّه لاستدامته .........
عنهما عقلاً بناءً على مذهبه، وأجاب من وجوه، الأول: أنه مجاز من باب إطلاق المسبب على السبب، والثاني أنه من وادي قول:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم … بهن فلول من قراع الكتائب
وإليه أشار بقوله:"كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به فما فيهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان"، والثالث: أنه على أسلوب قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة: ٦] كما صرح به.
قوله:(لاستدامته) ولعمري هذا تكلف، وقد مر في حديث مسلم عن أبي هريرة: أن هذه الآية ناسخة لقوله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ)، فكما أن الخطرات والوساوس محلها النفس، كذلك معدن النسيان والخطأ النفس، فلم يكن النسيان والخطأ متجاوزاً عنهما عقلاً بل نقلاً. الانتصاف: لا يرد السؤال؛ لأن رفع المؤاخذة عن الخطأ والنسيان