فإن قلت: ما المراد بالفرقان؟ قلت: جنس الكتب السماوية؛ لأن كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل، أو الكتب التي ذكرها، كأنه قال بعد ذكر الكتب الثلاثة: وأنزل ما يفرق به بين الحق والباطل من كتبه، أو من هذه الكتب، أو أراد الكتاب الرابع؛ وهو الزبور، كما قال:(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)[النساء: ١٦٣] وهو ظاهر؛ أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح؛ من كونه فارقاً بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس؛
قوله:(من كتبه أو من هذه الكتب) نشر لما سبق من قوله: جنس الكتب أو الكتب التي ذكرها، فعلى الأول من باب عطف العام على الخاص، كقوله تعالى:(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ)[الأعراف: ٥٤]، ذكر أولاً الكتب الثلاثة ثم عم الكتب كلها ليختص المذكور بمزيد شرف، وعلى الثاني: من باب عطف الصفة على الموصوف على سبيل التجريد، جرد من الكتب معنى كونها تفرق بين الحق والباطل، ثم عطف عليها كما سبق في أول البقرة.
قوله:(كما قال: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً)[النساء: ١٦٣]) وجه الشبه أن قوله: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) جيء به بعد ما ذكر كتباً منزلة على الأنبياء كما هو ها هنا، وذلك قوله تعالى:(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى قوله: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) أو أن الكتب المنزلة المشهورة أربعة: الفرقان، والتوراة، والإنجيل، والزبور، فلما ذكرت الثلاثة علم أن المذكور بعدها الزبور، والدليل على كونه من الكتب المنزلة قوله تعالى:(وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً).
قوله:(أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح)، ولا يبعد أن يحمل هذا على قوله في تفسير قوله:(وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ)[البقرة: ٥٣]: هو كقولك: رأيت الغيث والليث، تريد الرجل الجامع بين الجود والجراءة، ونحوه قوله تعالى:(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً)[الأنبياء: ٤٨].