وقال في "تفسيره": وأتينا به ضياء، أخرجه مخرج التجريد حيث جاء بالباء، نحو: رأيت بك أسداً، على أسلوب قولك: مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة، ويمكن أن يريد بقوله: أو كرر ذكر القرآن … إلى آخره: أن الكتاب أطلق أولاً على القرآن ليثبت له الكمال؛ لأن اسم الجنس في مثل هذا المقام إذا أطلق على فرد من أفراده يكون محمولاً على القرآن ليثبت كماله وبلوغه إلى حد هو الجنس كله، كأن غيره ليس منه كما لو قلت لمن وهبت له كتاباً وأنت تريد به الامتنان عليه: لقد منحتك الكتاب، أي: الكتاب الكامل في بابه، ومنه قوله تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ)[البقرة: ١٣]، واللام للجنس، والمراد: المؤمنون مكا تقرر في قوله تعالى: (الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ)[البقرة: ١ ـ ٢] ثم اقترن بوصف من أوصافه لتتميم معنى الكمال وتوكيده؛ لأن من شأن الكتب السماوية أن تكون فارقة بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والحلال والحرام، فينتهي بذلك الوصف غايته، وإليه الإشارة بقوله: تعظيماً لشأنه وإظهاراً لفضله، ولو صرح أولاً باسم القرآن واقترن به الوصف لم يكن كذلك، ولهذا كان الوجه الثاني دون هذا الوجه.
قال القاضي: إنما كان تعظيماً لشأنه وإظهاراً لفضله من حيث إنه تشاركه التوراة والإنجيل في كونه وحياً منزلاً، ويتميز بأنه معجز يفرق به بين المحق والمبطل.
قال صاحب "الانتصاف": وفيه وجه آخر، وهو أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة كما قال:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[القدر: ١]، و:(فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)[الدخان: ٣]، ومن سماء الدنيا منجماً في ثلاث وعشرين سنة، وأما بقية الكتب فلا يقال فيها إلا: أنزل، وهذا أوجه وأظهر.