وقلت: لعله ذهل عن دقة المعنى ومال إلى أن تكرير القرآن لإناطة معنى زائد وهو التنزيل مرة والإنزال أخرى، وذهب عنه أن المقام مقام المدح وتعظيم الكتاب لا بيان إنزاله وتنزيله.
قال الإمام: الوجوه المذكورة كلها ضعيفة، أما حمل الفرقان على الزبور فبعيد؛ لأن المراد من الفرقان: ما يفرق بين الحق والباطل، أو بين الحلال والحرام، وليس في الزبور إلا الموعظة، وأما حملة على القرآن فبعيد أيضاً لما يلزم من العطف المغايرة، ولا مغايرة حينئذ، وأما حمله على هذه الكتب فبعيد أيضاً لما يلزم منه عطف الصفة على الموصوف، والمختار عندي أن المراد بالفرقان: المعجزات التي قرنها الله تعالى بإنزال هذه الكتب: أي: أنزل الكتب وأنزل معها ما هو يفرق بينها وبين سائر الكتب المختلفة.
وقلت: هذا الذي ذكره الإمام هو على مقتضى الظاهر، وعلماء هذا الفن يهجرون سلوك هذا الطريق، وإذا سنح لهم ما يخالف الظاهر لا يلتفتون إلى الظاهر، ويعدونه من باب النعيق، ومن ثم قال المصنف: وهو الزبور، وهو ظاهر، يعني أن هذا الوجه محمول على ظاهر العطف، لا أنه أظهر الوجوه وأقواها.
وأما قوله: ليس في الزبور إلا الموعظة، فجوابه: أن الموعظة أيضاً فارقة من حيث إنها زاجرة عن ارتكاب المناهي داعية إلى الإتيان بالأوامر، صارفة عن الركون إلى الدنيا، هادية إلى النزوع إلى العقبى، فارقة لما يزلف إلى رضا الله عما يوجب سخط الله.