ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه وردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة، والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند اللَّه، ولأنّ المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام اللَّه ولا اختلاف؛ إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره، وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد، ففكر وراجع نفسه وغيره، ففتح اللَّه عليه وتبين مطابقة المتشابه المحكم، ازداد طمأنينة إلى معتقده، وقوّة في إيقانه. (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) هم أهل البدع (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق
لاستمر العالم في أبهة العلم على المرودة، وما استأنس إلى التذلل بعز العبودية، والمتشابه هو موضع جثو العقول لبارئها استسلاماً واعترافاً بقصورها والتزاماً، وبهذا ظهر أن الوقف على قوله تعالى:(إِلاَّ اللَّهَ) هو الوجه.
قوله:(والعلوم الجمة)، قال الإمام: إن اشتماله عليهما يفتقر إلى تعلم طرق التأويلات، وترجيح بعضها على بعض، وهي موقوفة على تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو وعلم الأصولين. وأقول: سيما علم المعاني والبيان.
قوله:(أن لا مناقضة) مفعول المعتقد، "وإذا رأى" مع جوابه خبر (أن)، والضمير في "بينه" راجع إلى ما يتناقض، ومن خواص لفظ البين أن لا يقع إلا في متعدد، وما يتناقض متعدد باعتبار المعنى.
قوله:((الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) هم أهل البدع)، الراغب: الزيغ: الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين، ومنه: زاغت الشمس عن كبد السماء، وزاغ البصر والقلب، وزاغ وزال متقاربان، لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل.