(اصْبِرُوا) على الدينِ وتكاليفِه (وَصابِرُوا) أعداءَ اللَّه في الجهاد، أي: غالِبُوهم في الصّبْرِ على شدائدِ الحرْب، لا تكونوا أقلَّ صبراً منهم وثباتًا. والمصابرةُ: بابٌ من الصَّبْر ذُكِرَ بعْدَ الصَّبْرِ على ما يجبُ الصَّبر عليه؛ تخصيصًا لشدّته وصعوبته. (وَرابِطُوا): وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها، مترصِّدين مُستعدينَ للغزْو. قال اللَّه تعالى:(وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[الأنفال: ٦٠]
قوله:(تخصيصاً) أي: ذكر تخصيصاً؛ لأن المصابرة نوع خاص من الصبر، كأنه قيل: اصبروا على ما يجب الصبر عليه، وخصوا الصبر مع أعداء الله لأنه أصعب، فيكون من باب قوله:(وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ)[البقرة: ٩٨].
ثم قوله:(وَرَابِطُوا) أخص من مطلق المصابرة؛ لأنه أرهب للأعداء، قال تعالى:(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ)[الأنفال: ٦٠]، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: الرباط أفضل من الجهاد؛ لأنه حصن دماء المسلمين، والجهاد سفك دماء المشركين، وحصن دماء المسلمين أفضل من سفك دماء المشركين.
واعلم أن هذه خاتمة شريفة منادية على ما اشتملت عليه السورة من التحريض على الصبر في تكاليف الله، والحث على المصابرة مع أعداء الله، والبعث على التقوى في جنب الله، ولذلك افتتحت السورة بذكر الكتب المنزلة على أنبياء الله لتكون الفاتحة مجاوبة للخاتمة، فإن كتب الله ما نزلت إلا للحث على التقوى، والصبر على التكاليف، والمصابرة مع الكفار، والمرابطة في سبيل الله، وشحنت السورة بقصتي بدر وأحد، وأطنبت فيما يتصل بهما من المكابدة والمشقة وتعيير من عدم الصبر، وكرر فيها ذكر الصبر والتقوى كما سبق بيانه.