للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد رأينا ممن بلى بداء البخل من إذا طرق سمعه أنّ أحدا جاد على أحد، شخص به، وحلّ حبوته، واضطرب، ودارت عيناه في رأسه، كأنما نهب رحله وكسرت خزانته، ضجراً من ذلك وحسرة على وجوده. وقيل: هم اليهود، كانوا يأتون رجالًا من الأنصار يتنصحون لهم ويقولون: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون؟ وقد عابهم اللَّه بكتمان نعمة اللَّه وما آتاهم من فضل الغنى والتفاقر إلى الناس. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «إذا أنعم اللَّه على عبد نعمة أحب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) [المسد: ١]، قال: جعلت يداه هالكتين، والمراد هلاك جملته، الجوهري: قولهم: هذا كما قدمت يداك، وهذا ما جنت يداك، أي: جنيته أنت. يقول: إن امرؤ ضن على امرئ بسبب نائل غيره، لشديد البخل.

قوله: (شخص به). الجوهري: يقال للرجل إذا ورد عليه أمر أقلقه: شخص به.

قوله: (حل حبوته). النهاية: الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب ويجمعهما مع ظهره، ويشده عليها، وقد يكون الاحتباء باليدين؛ فهو كناية عن الاضطراب والقلق والانزعاج؛ لأن المحتبي متمكن مطمئن ساكن.

قوله: (وحسرة على وجوده) أي: وجود الجود، دل بقوله أولاً: "مقتاً للسخاء ممن وجد"، وآخراً: "وحسرة على وجوده" على أن السخاء عندهم مبغوض بالذات، كما أن البخل محبوب بالذات.

قوله: (يتنصحون) أي: يتشبهون بالنصحاء.

قوله: (وقد عابهم بكتمان نعمة الله) أي: عابهم الله بقوله: (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ) بكتمان نعمة الله، "والتفاقر إلى الناس"، والتفاقر: عطف على "كتمان" على سبيل التفسير.

قوله: (إذا أنعم الله على عبد) الحديث مخرج في "مسند" الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>