(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً)، فوجب حمله على معنى زائد على الأجر، وليس ذلك إلا التفضل؛ ولهذا قرن معه (مِن لَّدُنْهُ)، وهذا القيد أيضاً يوجب تقدير الثواب، وأنه بالاستحقاق لا بالتفضل، وتسمية التفضل بالأجر تسمية للشيء باسم مجاوره، وقلت: هذا التعسف إنما يصار إليه إذا قدر مضافاً، وفسر "يضاعفها" بـ: يضاعف ثوابها، وتأول القرآن بالرأي والمذهب، وأما إذا جعلت الحسنة بنفسها مضاعفة، ويترك (مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) على ظاهره ليعلم أن الأجر تفضل منه، وأنه من لدنه لا باستحقاق العمل؛ كما عليه مذهب أهل الحق، فأي حاجة لنا إلى ارتكاب تلك التعسفات! وكان لنا مخلصاً من تلك الورطات! ومما يدل على إمكان مضاعفة الحسنة نفسهاـ وإن لم يعلم كيفيتهاـ ما روينا عن البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة عن طيبـ ولا يقبل الله إلا الطيبـ إلا أخذها الرحمن بيمينهـ وإن كانت تمرةـ فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه وفصيله"، الفلو: المهر الصغير، والمراد بتضاعفها أي: يكتب ثوابها مضاعفاً، ويثبت في صحف كرام الكاتبين، ثم يؤتي في الآخرة (مِن لَّدُنْهُ) ـ أي: من فضلهـ (أَجْراً عَظِيماً). وينصره ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، والسيئة بمثلها"، وفي رواية أخرى:"إلا أن يتجاوز الله عنها"، والعجب من القاضي وصاحب "التقريب" كيف قررا في هذا المقام كلام المصنف ولم ينبه عليه صاحب "الانتصاف".
قوله: (وقرئ: "يضعفها" بالتشديد)، ابن كثير وابن عامر، والباقون: بالتخفيف.