المتيمم يده عليه ومسح، لكان ذلك طهوره، وهو مذهب أبى حنيفة رحمة اللَّه عليه. فإن قلت: فما يصنع بقوله تعالى في سورة المائدة: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)[المائدة: ٦] أي: بعضه، وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه؟ قلت. قالوا: إنّ «من» لابتداء الغاية. فإن قلت: قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض، قلت: هو كما تقول. والإذعان للحق أحق من المراء.
صعيداً لأنها نهاية ما يصعد عليه من باطن الأرض، ولا أعلم بين أهل اللغة اختلافاً في أن الصعيد: وجه الأرض. واستدل الشافعي بأن التركيب يدل على الارتفاع والعلو، ولا يكون الارتفاع إلا من الغبار.
قوله:(من المراء) المراء: المجادلة، وأصل استعماله في الشك، وقد أنصف المصنف من نفسه في هذه المسألة وهو حنفي!
الانتصاف: ويحتمل أن تعود الهاء في (مِنْهُ) على الحدث المذكور، كما تقول: تيممت من الجنابة؛ وهي إما للتعليل، أو لابتداء الغاية.
قلت: يبعد أن يترك اللفظ الصريح القريب ويعتبر البعيد المتأول، على أن قوله:(فَتَيَمَّمُوا) متسببٌ عن كونهم محدثين؛ لأنه جواب الشرط فلا يحتاج إلى تعليلٍ آخر، وعليه قول أبي العلاء:
سطوت ففي وظيف الصعب قيدٌ … بذاك وفي وتيرته عران
إذا جعل المشار إليه الاستعصاء لا السطو؛ لئلا يلزم التكرار في التعليل.