بين المرضى والمسافرين، وبين المحدثين والمجنبين، والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة، والحدث سبب لوجوب الوضوء، والجنابة سبب لوجوب الغسل؟ قلت: أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون للماء في التيمم بالتراب، فخص أوّلاً من بينهم مرضاهم وسفرهم؛ لأنهم المتقدّمون في استحقاق بيان الرخصة لهم بكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء؛ لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استقاء أو إرهاق في مكان لا ماء فيه وغير ذلك بما لا يكثر كثرة المرض والسفر. وقرئ: من غيط، قيل هو تخفيف غيط، كهين في هين. والغيط بمعنى الغائط.
سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً حتى تغتسلوا، ولا محدثين من الغائط أو اللمس حتى تتوضؤوا وإن كنتم مرضى أو على سفر، سواءٌ كنتم مجنبين أو محدثين فلم تجدوا ماءً فتيمموا، هذا أبعد من التعسف وأقرب إلى حسن النظم؛ لأن المقصود من الآية بيان النهي عن قربان الصلاة للموانع الثلاثة؛ أعني: السكر والجنابة والحدث، وبيان الترخص في المانعين الأخيرين عند طرآن العذر، ولا يلزم أيضاً التكرير في حكم المجنبين.
قوله:(أو إرهاق) الجوهري: يقال: أرهقني فلانٌ إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له.
قوله:(وقرئ: من غيط) قال أبو البقاء: وهي قراءة ابن مسعود، وفيه وجهان، أحدهما: هو مصدر يغوط، وكان القياس غوطاً فقلبت الواو ياءً وأسكنت وانفتح ما قبلها لخفتها، وثانيهما: أنه أراد الغيط فخفف، مثل: سيد وميت، والجمهور: الغائط، على فاعل، والفعل منه: غاط المكان يغوط: إذا اطمأن.