لها قال: تزوجها فأنت أحق بها. (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ): مجرورٌ معطوف على (يتامى). وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء. ويجوز أن يكون خطاباً للأوصياء، كقوله:(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)[النساء: ٢].
قوله:(ويجوز أن يكون خطاباً للأوصياء) عطف على قوله: "أي: الله يفتيكم، والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى"؛ إذ المراد بهم الأولياء؛ بدليل قوله:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}[النساء: ٣]، وكان قوله:"وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه" إلى آخره، متفرعاً على ذلك التقدير، فيعلم منه أن الخطاب كان للأولياء والاستفتاء في شأن زواج اليتامى وتوريثهن؛ ولهذا قال:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}، وعلى هذا الوجه الكلام في شأن أموالهن؛ لأن الأوصياء لا تصرف لهم إلا في الأموال؛ ولهذا استشهد بقوله تعالى:{وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}[النساء: ٢].
فالحاصل أن الخطاب إذا جُعل للأولياء كان المعنىُّ به حكم الزواج والتوريث، فالمناسبة بالمتلو أن يكون قوله:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا}، وإذا جُعل للأوصياء؛ كان الكلام في الأموال، فالمناسب بالمتلو أن يكون قوله:{وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}.
وتحريره: أن هذه الآية واردة في بيان أنهم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوى مبهمة في شأن اليتامى، لا ندري أهي في شأن أزواجهن أو أموالهن؟ فلذلك احتملت الأمرين.
وأما جواب الاستفتاء فقد سبق في الآيتين من أول هذه السورة؛ أحداهما: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية، وثانيتهما:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} وفي كلامه إشعار بأن هذه الآيات مرتبطة بالآيات الواردة في أول السورة، فهي سابقة عليها بالرتبة؛ لأن جواب الاستفتاء قد أحيل إلى تلك الآيتين، والآيات المتخللة بين اللامين للامتنان في البيان.
قال الإمام: إن عادة الله عز وجل في ترتيب هذا الكتاب الكريم واقعة على أحسن الوجوه، وهو أنه تعالى يذكر شيئاً من الأحكام ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والوعيد