قلت: هي الإقرار على نفسه؛ لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها. ويجوز أن يكون المعنى: وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم أو على آبائكم وأقاربكم؛ وذلك أن يشهد على من يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره. (إِنْ يَكُنْ): إن يكن المشهود عليه (غَنِيًّا) فلا تمنع الشهادة عليه لغناه طلباً لرضاه، (أَوْ فَقِيراً) فلا يمنعها ترحماً عليه، (فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما): بالغني والفقير، أي: بالنظر لهما وإرادة مصلحتهما، ولولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها، لأنه أنظر لعباده من كل ناظر. فإن قلت: لم ثني الضمير في: (أَوْلى بِهِما)؟ وكان حقه أن يوحد؛ لأن قوله (إن يكن غنياً أو فقيراً) في معنى: إن يكن أحد هذين. قلت: قد رجع الضمير إلى ما دل عليه قوله: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) لا إلى المذكور؛ فلذلك ثُني ولم يفرد، وهو جنس الغنيِّ وجنس الفقير، كأنه قيل: فاللَّه أولى بجنسي الغني والفقير، أي: بالأغنياء والفقراء. وفي قراءة أُبي:(فاللَّه أولى بهم)، وهي شاهدة على ذلك. وقرأ عبد اللَّه:(إن يكن غنيٌ أو فقير)
قوله:(إلى ما دل عليه قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً}، لا إلى المذكور). قال أبو البقاء: اسم "كان" مضمر فيها دل عليه تقدم ذكر الشهادة، أي: إن كان الخصم أو كل واحد من المشهود عليه والمشهود له، وذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يكون غنياً وأن يكون فقيراً، وقد يكونان غنيين وقد يكونان فقيرين؛ فلما كانت الأقسام عند التفصيل على ذلك ولم تُذكر، أتى بـ {أَوْ} ليشمل على هذا التفصيل، فعلى هذا الضمير في {بِهِمَا} عائدٌ على المشهود له والمشهود عليه على أي وصف كانا عليه لا على المذكور، وقيل: الضمير عائدٌ إلى ما دل عليه الكلام، والتقدير: فالله أولى بالغني والفقير، لدلالة الاسمين عليه. وخالصة مراد المصنف الذهاب إلى التعميم في الجنسين ليدخل في العموم المراد دخولاً أولياً.
قوله:(هي شاهدة على ذلك)، أي: قراءة أُبيِّ شاهدة على أن المراد الجنس؛ لأن الجمع والمطلق يلتقيان في العموم؛ ولهذا فسر جنسي الفقير والغني بـ "الأغنياء والفقراء".