الكتاب، لأنهم آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض. وروي: أنه لعبد اللَّه بن سلام، وأسدٍ وأسيدٍ ابني كعب. وثعلبة ابن قيس، وسلام بن أخت عبد اللَّه بن سلام، وسلمة ابن أخيه، ويامين بن يامين، أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقالوا: يا رسول اللَّه، إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال عليه الصلاة والسلام:«بل آمنوا باللَّه ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله» فقالوا: لا نفعل، فنزلت، فآمنوا كلهم. وقيل: هو للمنافقين، كأنه قيل: يا أيها الذين آمنوا نفاقاً آمنوا إخلاصاً. فإن قلت: كيف قيل لأهل الكتاب (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) وكانوا مؤمنين بالتوراة والإنجيل؟ قلت: كانوا مؤمنين بهما فحسب، وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب؛ فأمروا أن يؤمنوا بالجنس كله؛ ولأن إيمانهم ببعض الكتب لا يصح إيماناً به، لأن طريق الإيمان به هو المعجزة، ولا اختصاص لها ببعض الكتب دون بعض، فلو كان إيمانهم بما آمنوا به لأجل المعجزة لآمنوا به كله، فحين آمنوا ببعضه علم أنهم لم يعتبروا المعجزة؛ فلم يكن إيمانهم إيماناً، وهذا الذي أراد عز وجلّ في قوله:(وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا* أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا)[النساء: ١٥٠ - ١٥١]. فإن قلت: لم قيل: (نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) و (أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ)؟ قلت: لأن القرآن نزل مفرّقا منجماً في عشرين سنةً بخلاف الكتب قبله. ومعنى قوله:
قوله: (لأن القرآن نزل مفرقاً [منجماً] في عشرين سنة]، والصحيح: في ثلاث وعشرين سنة، روينا عن البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فمكث ثلاث عشرة سنة، ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشراً، ثم توفى صلوات الله عليه وسلامه.