والمراد بنفيهما نفى ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت، والمعنى: إنّ الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف من إيمان صحيح ثابت يرضاه اللَّه، لأن قلوب أولئك - الذين هذا ديدنهم - قلوب قد ضريت بالكفر ومرنت على الردّة، وكان الإيمان أهون شيءٍ عندهم وأدونه؛ حيث يبدو لهم فيه كرّة بعد أخرى، وليس المعنى: أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردّة ونصحت توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم؛ لأنّ ذلك مقبول؛ حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وأنه أمرٌ لا يكاد يكون، وهكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع، لا يكاد يرجى منه الثبات، والغالب أنه يموت على شرِّ حالٍ وأسمج صورة. وقيل: هم اليهود، آمنوا بالتوراة وبموسى، ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمدٍ صلى اللَّه عليه وسلم.
ويؤيده تفسيره لقوله:{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ}[الأعراف: ٤٣] بقوله: "واللام لتوكيد النفي، أي: وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله".
قوله:(ضربت بالكفر). النهاية: يقال: ضري بالشيء يضري ضراوة، أي: عادة ولهجا به لا يُصبر عنه.
قوله:(حيث يبدو لهم) فاعل "يبدو" مصدره المضمر فيه، وهو: بداء، يقال: بدا لهم في هذا الأمر بداء، ممدود: نشأ له رأي.
قوله:(وقيل: هم اليهود) عطف على قوله: "المعنى: إن الذين تكرر منهم الارتداد" أي: داوموا على ذلك الفعل؛ ولهذا قال:"حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى"، وعلى الثاني: التكرير للمعدود؛ ولهذا أتى بالإنجيل وعيسى، والتوراة وموسى.