لأفعل، نفيٌ لقولك: ستفعل، فجيب أن يُضمر "أن" ليتمحض للاستقبال، وإنما التزم إضمارها؛ لأنها قد زيدت لتأكيد النفي، فقولك: لم أكن لأفعل آكد من: لم أكن أفعل، فمعنى الأول: لم أكن للفعل، وفيه نفي نفس الفعل، ومعنى الثاني نفي إيجاد الفعل، ونفي إيجاد الفعل لا يلزم منه نفي الفعل ولا ينعكس، فعُلم أن اللام زائدة، والزائدة مستلزمة للمستقبل، فناسب إضمارها.
أما قوله: المصدر لا يقع خبراً عن الجثة. فجوابه: أن امتناع وقوع المصدر خبرا ًعن الجثة لعدم كونه دالاً بصيغته على فاعل وعلى زمان دون زمان. والفعل المُصدر بـ "أن" يدل عليهما، فيجوز الإخبار به وإن لم يجز بالمصدر، ولا سيما وقد التزم إضمار "أنْ" فضلة ومنتظماً في نمط الفعل المحقق المتأول باسم الفاعل. ويؤيد ما ذكرت كل من الفارق إطباقهم عن آخرهم على الإخبار بالفعل المصدر بـ "أن" في خبر "عسى"، نحو: عسى زيدٌ أن يخرج، وإنما جوزوا ذلك مع امتناع استعمال المصدر موضع الفعل المُصدر بـ "أنْ" هنالك. والإخبار إذن بالفعل ودخول "أنْ"؛ يكون علماً على المستقبل؛ لأن "عسى" للإخبار بوقوع حادث في الزمان المستقبل مع رجاء، فلابد أن يكون علماً للاستقبال.
وقلتُ: المبالغة على اختيار أبي البقاء أيضاً حاصلة؛ لأن اللام تستدعي مُقدراً هو عاملها، كما يقال: ما كان الله مريداً لأن يغفر لهم، فإذا نفيت إرادة الفعل لينتفي الفعل انتفاء للسبب لإرادة انتفاء المسبب؛ كان أبلغ من انتفاء الفعل ابتداء، قوله تعالى:{أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ}[يونس: ١٨].
اعلم أنه قد مر في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً}[النساء: ٩٢] أن دخول كان للمبالغة في نفي الفعل الداخلة هي علية لتقدير جهة نفيه عموماً باعتبار الكون، وخصوصاً باعتبار الفعل المخصوص، فهو نفي مرتين، وزيد هاهنا اللام لمزيد إرادة التأكيد.