سبيلا: أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر كقوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}، أي طريقا وسطا في القراءة، وهو ما بين الجهر والمخافتة، وقد أخطؤوا، فإنه لا واسطة بين الكفر والإيمان، ولذلك قال:{أولئك هم الكافرون حقا}، أي: هم الكاملون في الكفر. و {حقا}: تأكيد لمضمون الجملة، كقولك: هو عبد الله حقا، أي: حق ذلك حقا، وهو كونهم كاملين في الكفر؛ أو هو صفة لمصدر الكافرين، أي: هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه.
[{والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما} ١٥٢]
فإن قلت: كيف جاز دخول {بين} على {أحد} وهو يقتضي شيئين فصاعدا؟ قلت: إن أحدا عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما، تقول: ما رأيت
{أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً} واقع خبراً لـ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}{أُوْلَئِكَ} إذا وقع خبراً لموصوف سابق آذن بأن ما بعده جدير بمن قبله لاكتسابه تلك الخصال المعددة، فقد ظهر أن قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} الآية [النساء: ٣٦]، وما توسطت بين العلة والمعلول من الجمل والآيات إما معترضة أو مستطردة عند إمعان النظر.
قوله:(هم الكاملون في الكفر) يدل عليه توسط الفصل بين المبتدأ والخبر المعرف بلام الجنس، كقوله تعالى:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ}[البقرة: ١ - ٢]، فجيء بقوله:{حَقّاً} لتأكيد مضمون الكمال، أي: قولي بأن هذا كفرٌ كامل حق لا باطل، وعلى تقدير أن يكون {حَقّاً} صفة للمصدر المؤكد للمسند يكون بمعنى: ثابتاً، واللام حينئذ للعهد، أي: هم الذين صدر منهم الكفر البتة، فقوله:"يقيناً لا شك فيه"، هو معنى المصدر المحذوف، وهذا أبلغ من الأول بحسب تأكيد الإسناد، والأول أبلغ من جهة إثبات الكمال.