للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك. فإن قلت: هلا زعمت أن المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قول: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها)، فيكون التقدير: فبما نقضهم ميثاقهم طبع اللَّه على قلوبهم (بل طبع اللَّه عليها بكفرهم)؟ قلت: لم يصح هذا التقدير لأنّ قوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العامل هو هذا؛ ولهذا قال: "تحقيق أن العقاب لم يكن إلا بنقض العهد" حيث جاء بأداة الحصر الدال عليها التقديم، ونبه على التوكيد بقوله: "تحقيق أن العقاب".

قوله: (لم يصح هذا التقدير) وقد ذكر هذا التقدير أبو البقاء، وفسر صاحب "التقريب" كلام المصنف بقوله: أي: لا يتعلق بـ {طَبَعَ} مقدراً؛ لدلالة {بَلْ طَبَعَ} عليه؛ لأنه وارد لإنكار قولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أي: لا تصل إليها الموعظة، أي: لم يخلقها الله تعالى مطبوعاً عليها غير قابلة للوعظ، فالطبع منتف حقيقة، فلا يقدر الطبع سبباً معللاً بالنقض. وفيه نظر؛ لأن {بَلْ طَبَعَ} دال على طبع عارض بكفرهم، فجاز أن يُقدر طبعٌ عارضٌ بنقضهم، فالطبعان متوافقان في العروض.

وقلت: مرادف المصنف أن {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ} متعلق بقولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} رد وإنكار له، كما جاء صريحاً في البقرة: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٨٨]، فلو قدر لقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} متعلقاً مثله يصير التقدير: فبما نقضهم وكفرهم وقولهم: قلوبنا غُلف طبع الله عليها {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} فيكون رداً لهذا الكلام وإنكاراً له لا لقولهم: قلوبنا غلفٌن والمعنى عليه.

هذا نظم لطيف، ولكن لا وجه للتشنيع، ولقوله: "وكمذهب المجبرة"؛ لأن لأهل السُّنة أن يقولوا: إنه تعالى إنما رد قولهم؛ لأنهم ادعوا أن قلوبهم في أوعية وأغشية، وأن ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه لا ينفذ فيها، فأضرب الله تعالى عن ذلك بقوله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} أي: بله ذلك! بل هو شيء أعظم منه وهو الطبع والختم؛ لأنهم أبطلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>