ردّ وإنكار لقولهم:(قُلُوبُنا غُلْفٌ)، فكان متعلقاً به، وذلك أنهم أرادوا بقولهم:(قُلُوبُنا غُلْفٌ): أنّ اللَّه خلق قلوبنا غلفاً، أي: في أكنةٍ لا يتوصل إليها شيءٌ من الذكر والموعظة، كما حكى اللَّه عن المشركين:(وقالوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)[الزخرف: ٢٠]، وكمذهب المجبرة أخزاهم اللَّه، فقيل لهم: بل خذلها اللَّه ومنعها الألطاف بسبب كفرهم، فصارت كالمطبوع عليها، لا أن تخلق غلفاً غير قابلةٍ للذكر ولا متمكنةً من قبوله. فإن قلت: علام عطف قوله (بِكُفْرِهِمْ)؟ قلت: الوجه أن يعطف على: (فَبِما نَقْضِهِمْ) ويجعل قوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) كلاماً تبع قوله: (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) على وجه الاستطراد. يجوز عطفه على ما يليه من قوله:(بِكُفْرِهِمْ). فإن قلت: ما معنى المجيء بالكفر معطوفاً
استعداداتهم بالكلية بالكفر بمحمد بعد وضوح البينات. وأيضاً، يجوز أن يُراد:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا}، أي: ليس كما ادعوا من أن قلوبهم أوعية العلم ما ذكر في البقرة.
الانتصاف: هؤلاء قوم زعموا أن لهم على الله حجة بخلق قلوبهم غير قابلة للحق ولا متمكنة منه، فكذبهم بأنه تعالى خلق قلوبهم على الفطرة، والإيمان من جنس مقدورهم كما هو من جنس مقدور المؤمنين، وهو المعبر عنه بالتمكن، فقامت حجة الله عليهم، فالإنسان نفرق بين دخوله في الإيمان والطيران في الهواء بإمكان الأول دون الثاني فلله الحجة، فاتجه الرد عليهم لا من الوجه الذي زعمته المعتزلة من إثبات قدرة يخلقون بها وافق مشيئة الله أم لا؛ ولذلك قال عقيبه:{فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام: ١٤٩] فرد عليهم ورد الأمور إلى المشيئة.
قوله:(ما معنى المجيء بالكفر معطوفاً؟ ) السؤال واردٌ على الجوابين، يعني: ذكرت أن قوله: "بكفرهم" في قوله: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً} عطفٌ إما على {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} أو على ما يليه من قوله: {بِكُفْرِهِمْ}، وكلاهما فاسدان لما يلزم منهما عطف الشيء