على نفسه. وأجاب أولاً بجواب مُجمل صالح للوجهين، ثم أتى لكل بجواب مفصل، فقال:"قد تكرر"، يعني: أن كل واحدة من الكفرات الثلاث لانضمامها إلى معنى أخرجها من مفهوم الأخرى، فقوله:{وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ} لما عقب قوله: {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} خُص بكفرهم بموسى عليه الصلاة والسلام، و"كفرهم" الثالث لما اقترن بقوله: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى} خُص بعيسى عليه الصلاة والسلام، و"كفرهم" الثاني لما وقع في حيز الإضراب وكان جواباً عن تعنتهم وقولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، ومُذيلاً العطف، وإليه الإشارة بقوله:"قد تكرر منهم الكفر لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فعطف بعض كُفرهم على بعض".
وأما الجواب عن السؤال على قوله:"والوجه أن يعطف على {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} "؛ فهو أن "بكفرهم" الثالث مع ما عطف عليه من قوله: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ}، {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى}، عطف على قوله:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ} مع ما عُطف عليه من قولهم: {وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ} وقولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، فلا يلزم أيضاً المحذور؛ لأن للهيئة الاجتماعية اعتباراً غير اعتبار الأفراد، وأما على قوله:"ويجوز عطفه على ما يليه" فهو قوله: "أو {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} ومعهم بين كفرهم" وهو من عطف المجموع على المفرد. هذا وإن اختياره أن يكون من عطف المجموع على المجموع لقوله:"والوجه أن يُعطف على {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} " لأنه مر فيما سبق أن قوله: " {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} ردُّ وإنكار لقولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أقحم بين المعطوف والمعطوف عليه مستطرداً اهتماماً، وفيه أن قولهم:{قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أم القبائح المذكورة، وعلى الوجه الأخير يجوز أن يكون التوالي كلها مستطردة، وفي هذا الوجه إيذانٌ باستقلال المفرد استقلال المجموع. ولعمري إنه كذلك؛ إذ كفرهم بمحمد صلوات الله عليه وسلامه لا يوازيه كفر!
وعلى الوجه المختار الواو الداخلة على قوله:{وَبِكُفْرِهِمْ} الثالث غيرُ الواوات السابقة واللاحقة؛ لأن تلك لعطف المفرد على المفرد، وهذه لعطف المجموع على المجموع.