قوله:(لأنه لا فرق بين الفريقين). الإنصاف: عدل عن الظاهر لعقيدته، والآية تنبو عنه؛ لأنه جعل الكفر والظلم كليهما صلة فيلزم وقوع الفعلين جميعاً من كل واحد من أفراده، فإذا قلت: الزيدون قاموا فقد أسندت القيام لكل واحد، وكذلك إذا عطفت عليه، وقيل: لو كان المراد ما قال لقيل: الذين كفروا والذين ظلموا كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا}[البقرة: ٦٢].
وقلت: وأما قضية النظم فإن الاستدراك في قوله: {لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ}[النساء: ١٦٦] مُنادٍ بأن الخطب قد بلغ الغاية وأن المنكرين قد جاوزوا حد العناد، ويؤيده قول المصنف:"لما سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء وتعنتوا بذلك واحتج عليهم بقوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}[النساء: ١٦٣] قال: {لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ} بمعنى أنهم لا يشهدون لكن الله يشهد"، فدل هذا على أن الحجة أفحمتهم، ولم يبق في أيديهم سوى العناد ولبس طريق الحق والصد عن سبيل الله؛ لأنهم أهل الكتاب، فحينئذ اتجه لسائل أن يقول: فما حكم الله على أولئك البعداء؟ فقيل:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً}، وكرر ذلك ليُناط به قوله:{لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} مزيداً لذلك النعي، ليؤذن بأنهم متعنتون مكابرون واضعون الشيء في غير موضعه مستوجبون لكل نكال وإهانة؛ ولذل عم الخطاب في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}[النساء: ١٧٠] تنبيهاً لهم على الحث في النظر وتعريضاً بأن أهل الكتاب ما تابعوا الحق وما التفتوا إلى الدليل وركبوا متن الباطل واللجاج، فإذا لا مدخل لحكاية أصحاب الكبائر في هذا النص.