وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان. وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة؛ لأنه بيان للشهادة، وأن شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت للقدرة. وقيل: أنزله وهو عالمٌ بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه. وقيل: أنزله مما علم من مصالح العباد مشتملا عليه. ويحتمل: أنه أنزله وهو عالم به، رقيبٌ عليه، حافظ له من الشياطين برصدٍ من الملائكة، والملائكة يشهدون بذلك كما قال في آخر سورة الجنّ، ألا ترى إلى قوله:(وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ)[الجن: ٢٨]؟ والإحاطة بمعنى العلم. (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) وإن لم يشهد غيره؛ لأنّ التصديق بالمعجزة هو الشهادة حقاً (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ)[الأنعام: ١٩].
من الحال، والضمير المجرور لـ "ما". مثله قوله تعالى:{الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[إبراهيم: ١].
قوله:(ويحتمل أنه أنزله وهو عالم به) تفسيرٌ آخر، وهو أنه ضمن العلم معنى الرقيب والحافظ وجعل الجار والمجرور حالاً من الفاعل، وقرينة التضمين قران العلم بشهادة الملائكة؛ لأنه حينئذ على وزان قوله في سورة الجن:{فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٧، ٢٨]؛ ومن ثم قال:"رقيب عليه برصد من الملائكة، والملائكة يشهدون"، وعلى هذين الوجهين {أَنزَلَهُ} لا يكون بياناً كما في الوجهين السابقين؛ بل يكون تكريراً لتعلق ما به عُلق.
قوله:(أو كان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين) يريد أنه من باب قول حسان: