أن الملائكة يشهدون بذلك؟ قلت: يجابون بأنه يعلم بشهادة اللَّه؛ لأنه لما علم بإظهار المعجزات أنه شاهد بصحته علم أن الملائكة يشهدون بصحة ما شهد بصحته؛ لأنّ شهادتهم تبع لشهادته. فإن قلت: ما معنى قوله: (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ)، وما موقعه من الجملة التي قبله؟ قلت: معناه أنزله ملتبساً بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره،
قوله:(معناه: أنزله ملتبساً بعلمه الخاص). اعلم أن هذا المقام مما يُحتاج فيه إلى تدقيق نظر لتفصيل الوجوه وامتياز بعضها من بعض، فقوله:{بِعِلْمِهِ} إما أن يُجري على المجاز، أو على الحقيقة، والجار والمجرور على الأول حالٌ من المفعول، ويحتمل أمرين في الثاني: أما المعنى على الوجه الأول فهو ما ذكره "أنزله ملتبساً بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره"، فالعلم على هذا مجاز من التأليف على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ، والعلاقة هي النسبة التي بين الفاعل والفعل؛ لأن الفاعل المتقن الحكيم لا يصدر منه إلا الفعل المحكم البديع، ولا ارتياب في أن مثل هذا العلم الخاص يصلح أن يشهد الله تعالى به على صحة الدعوى؛ ولهذا كان قوله:{أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} بياناً للشهادة؛ حيث قال:"وأن شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت للقدرة"، ونحوه قوله تعالى:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة: ٢٣]: "أي: فأتوا بسورة من مثل القرآن في البيان الغريب، وعلو الطبقة في حسن النظم".
وعلى الوجه الثاني: الجار والمجرور: إما حال من الفاعل؛ فالمعنى "أنزله وهو عالمٌ بأنك أهل لإنزاله إليك" لأنك من أولي العزم لا تألوا جهداً في تبليغه، وإليه الإشارة بقوله:"وأنك مبلغه"، ويمكن أن يقال: أنزله وهو عالمٌ بأنك أهل لأن ينزل علي وأن يتحدى بمثل لونك رجلاً أمياً لم تقرأ الكتب وما باشرت العلماء على منوال {فَاتُوا بِسُورَةٍ}[البقرة: ٢٣] من مثل محمد، أي: ممن هو على حاله من كونه بشراً عربياً أمياً، أو من المفعول، فالمعنى "أنزله ملتبساً بما علم من المصالح مشتملاً عليه"، فقوله:"مشتملاً عليه" بدل