للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة، ولا عرف أنهم رسل اللَّه إلا بالنظر فيها؟ قلت: الرسل منبهون عن الغفلة، وباعثون على النظر، كما ترى علماء أهل العدل والتوحيد، مع تبليغ ما حملوه من تفضيل أمور الدين وبيان أحوال التكليف وتعليم الشرائع، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإلزام الحجة، لئلا يقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولاً فيوقظنا من سنة الغفلة، وينبهنا لما وجب الانتباه له. وقرأ السلمي: (لكنّ اللَّه يشهد) بالتشديد. فإن قلت: الاستدراك لا بدّ له من مستدرك فما هو في قوله: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ)؟ قلت: لما سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء، وتعنتوا بذلك، واحتج عليهم بقوله: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) قال: (لَكِنِ اللَّه يَشْهَدُ)، بمعنى: أنهم لا يشهدون، ولكن اللَّه يشهد. وقيل: لما نزل (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)، قالوا: ما نشهد لك بهذا، فنزل: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ). ومعنى شهادة اللَّه بما أنزل إليه: إثباته لصحته بإظهار المعجزات، كما تثبت الدعاوى بالبينات. وشهادة الملائكة: شهادتهم بأنه حق وصدق. فإن قلت: بم يجابون لو قالوا: بم يعلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الانتصاف: مذهبهم في التحسين والتقبيح يجرهم إلى إثبات أحكام الله تعالى بمجرد العقل من غير بعثة رسل، فيجبون ويحرمون ويبيحون، ومما أوجبوه النظر في أدلة التوحيد قبل الشرع، ومن تركه ترك واجباً واستحق العقاب وقامت عليه الحجة، فإذا تليت عليهم هذه الآية وشهدت عليهم أن الحجة إنما قامت على الخلق بالأحكام الشرعية حرفوا النص وقالوا: الرسل تتمم حجج الله وتنبه على ما يوجبه العقل قبل بعثتهم، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: ١٥]، وربما أشكل هذا الفصل على من طالعه من كلام الزمخشري؛ لأن المعرفة والتوحيد طريقهما العقل لا النقل، لكن المعرفة متلقاة من العقل والوجوب متلقى من الشرع والنقل المحض.

قوله: (من تبليغ ما حُملوه) حال من فاعل "منبهون" أي: الرسل منبهون على دليل العقل حال كونهم مصاحبين دليل النقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>