للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَن يَسْتَنْكِفَ): لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة من نكفت الدمع. إذا نحيته عن خدك بإصبعك (ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ): ولا من هو أعلى منه قدراً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ولن يذهب بنفسه عزة) كناية عن عدم التكبر؛ لأن المتكبر هو الذي يضع نفسه فوق منزلتها ويذهب بها عن طورها فلا ينقاد لأحد. الراغب: العبودية متضمنة للمذلة إذا اعتبرت بغير الله، وإذا اعتبرت بالله كانت مقر الشرف؛ فلهذا لا استنكاف منها، والاستكبار طلب التكبر بغير استحقاق، والتكبر قد يكون باستحقاق؛ وذلك إذا كان طلباً لعزة النفس والتلطف عن الأعراض الدنيوية، والفرق بينهما: أن الاستنكاف تكبر في تركه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك.

قوله: (ولا من هو أعلى منه قدراً). قال محي السنة: يستدل بتفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية؛ لأن الله ارتقى من عيسى إلى الملائكة ولا يرتقي إلا إلى الأعلى؛ إذ لا يقال: لا يستنكف فلان من كذا ولا عبده، وإنما يقال: ولا مولاه. ولا حجة لهم فيه؛ لأنه لم يقل ذلك رفعاً لمقامهم على مقام البشر، بل رداً على الذين يقولون: الملائكة آلهة، كما رد على النصارى قولهم: المسيح ابن الله، ونحوه عن صاحب "الفرائد".

وقال القاضي: الآية رد على عبدة المسيح والملائكة فلا يتجه ذلك وإن سُلم اختصاصها بالنصارى؛ لأن الكلام فيهم، فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون التكبير، كقولك: أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس، وإن أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة- وهم الكروبيون - على المسيح من الأنبياء؛ وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقاً والنزاع فيه.

وقال صاحب "التقريب": المثال لا يصحح به الكُلِّي، لأنه إنما يدل لسبق العلم بزيادة البحر على حاتم، أما إذا قلت: لا يفعله زيدٌ ولا عمرو، لم يفهم التفضيل؛ فدلالتها على

<<  <  ج: ص:  >  >>