للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ): سبحه تسبيحاً من أن يكون له ولد. وقرأ الحسن: إن يكون، بكسر الهمزة ورفع النون، أي: سبحانه ما يكون له ولد، على أنّ الكلام جملتان. (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ): بيانٌ لتنزهه عما نسب إليه، يعنى أنّ كل ما فيهما خلقه وملكه، فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه؟ على أن الجزء إنما يصح في الأجسام، وهو متعالٍ عن صفات الأجسام والأعراض. (وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) يكل إليه الخلق كلهم أمورهم، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.

[(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) ١٧٢].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القدس، فإنه واحد في الجوهر مختلف بالأقانيم، وقال بعضهم: إنها أشخاص وذوات، وقال بعضهم: إنها خواص، فإن أقنوم الأب الذات، وأقنوم الابن هو الكلمة، وهي العلم وإنها لم تزل متولدة من الأب لا على سبيل التناسل، بل كتوليد ضياء الشمس عن الشمس، وأقنوم روح القدس هو الحياة، وأنها لم تزل فائضة من الأب والابن، واختلفوا في الاتحاد، فقالت اليعقوبية: إنها بمعنى الممازجة، كمُمازجة النار بالفحمة، فالجمرة ليست ناراً خالصة ولا فحمة، وهذا موافق لقولهم: إن الله تعالى نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنساناً؛ ولذلك قالوا: المسيح جوهر من جوهرين، وأقنوم من أقنومين. وقلت: هذا هو القول باللاهوت والناسوت. وقال الحكيم: فظاهر قول نسطور: أن الاتحاد على معنى المساكنة؛ وأن الكلمة جعلته محلاً، ولذلك قالوا: جوهران، أقنومان، على غير ذلك من الأقوال، وإذا كان هذا الاختلاف ثابتاً في فرق النصارى منقولاً عنهم يصح حينئذ أن يُراد من قوله: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} أي: ولا تقولوا: وجوهر واحد، ثلاثة أقانيم، وأن يُراد من قوله: {اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: ١١٦] الذوات الثلاث، وأن يُراد بقوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} وقوله سبحانه: {أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} القول باللاهوت والناسوت؛ وذلك أن الله تعالى حكى في كل مكان حكاية فرقة من فرقهم، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} [الصافات: ١٨٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>