للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن اللَّه والمسيح ومريم ثلاثة آلهة، وأنّ المسيح ولد اللَّه من مريم. ألا ترى إلى قوله: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [المائدة: ١١٦]، (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) [التوبة: ٣٠]. والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون: في المسيح لاهوتية وناسوتية من جهة الأب والأم. ويدل عليه قوله: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)، فأثبت أنه ولد لمريم اتصل بها اتصال الأولاد بأمّهاتها، وأن اتصاله باللَّه عز وعلا من حيث أنه رسوله وإنه موجود بأمره وابتداعه جسداً حياً من غير أب، فنفى أن يتصل به اتصال الأبناء بالآباء، وقوله: (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ). وحكاية اللَّه أوثق من حكاية غيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعيسى، وروح القدس. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، كقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: ٧٣]، يعني: أنهم مستوون في الإلهية، ويقال في العرف عند إلحاق اثنين بواحد في وصف: هم ثلاثة، أي: إنهما شبيهان له.

قوله: (والذي يدل عليه) يعني: حُكي عن النصارى المذهبان، والذي يدل عليه القرآن المذهب الثاني.

قوله: (ويدل عليه قوله) أي: على أنهم يقولون في المسيح اللاهوتية والناسوتية؛ رده الله بـ {إِنَّمَا}، فإنه من القصر الإفرادي، نفي بقوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} أحد ما أثبتوه وهو اللاهوتية، وقصر الحكم على الآخر وهو الناسوتية بقوله: {ابْنُ مَرْيَمَ}، وقوله: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} عطف على قوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ}.

قوله: (وحكاية الله أوثق) متعلق بقوله: "والذي يدل عليه القرآن" أي: والحال أن حكاية الله أوثق من حكاية غيره، أي: ما حكى الله عنهم من القول بالذوات دون الأقانيم، والجُمل التي توسطت بين الحال وعاملها معترضة.

اعلم أن الحكيم الفاضل يحيى بن عيسى بن جزلة صاحب "المنهاج في الطب" كان نصرانياً، وبعدما أسلم وحسن إسلامه صنف رسالة رداً على النصارى، وقال فيها: زعمت النصارى أن الله تعالى جوهر واحد، ثلاثة أقانيم: أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح

<<  <  ج: ص:  >  >>