إنما تتخذون عيسى رباً وإلاها؛ لأنه وُجد بغير أب، فالملائكة أولى لأنهم وُجدوا بغير أب وأم، وإذا كانوا مع هذا لا يستنكفون فالمسيح أولى.
وقلت: والذي يقتضيه النظم أن يكون الأسلوب من باب التتميم والمبالغة لا الترقي؛ وذلك أن قوله تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إثبات للتوحيد على القصر، وتقرير لصفة الفردانية على الوجه الأبلغ؛ لأن المعنى: ما الله إلا واحد فردٌ في الإلهية لا شريك له فيها، ولا يصح أن يسمى غيره إلهاً، وأن قوله:{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} إثبات لصفة المالكية والخالقية على الاختصاص أيضاً؛ وذلك بتقديم الظرف على المبتدأ، وفيه أن ما سواه مملوكه تحت تصرفه وتدبيره ومن جملته المسيح والملائكة وكل ما عُبِدَ من دون الله، وأن قوله:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} إثبات لكمال قدرته على الاختصاص أيضاً، وبيان أن غيره غيرُ مستقل بنفسه وأن أموره موكولة إليه لا إلى غيره، ثم إنه تعالى لما قرر الفردانية والمالكية والقدرة التامة، كل ذلك على الاختصاص- أتبعه قوله:{لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ} إلى آخر الآيات؛ بياناً وتذييلاً وتقريراً لاستحقاقه العبودية وإنكار أن أحداً يستنكف ويستكبر عن عبادته، المعنى: لا يستقيم بعد هذا التقرير أن يتصور أن أحداً يستكبر على الله ويستنكف عن عبوديته، المعنى: لا يستقيم بعد هذا التقرير أن يُتصور أن أحداً يستكبر على الله ويستنكف عن عبوديته: لا الذي تتخذونه أنتم أيها النصارى إلها لكمال فيه، ولا من اتخذه غيركم من الملائكة لقربهم من الله. وإنما قلنا: لكمال فيه؛ لأن في تصريح ذكر المسيح بعد سبق ذكره من قوله:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} إشعاراً بالعلية. وأيضاً، قد تقرر أن المعرف إذا أعيد كان الثاني عين الأول؛ وإذا كان كذلك يحصل بين تخصيص ذر الروح وبين ذكر المقرب فرقٌ، وهذا هوا لجواب عن قوله الآتي:"ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين"، وبهذا البيان ظهر أن ذكر الملائكة المقربين للاستطراد- كما قال محيي السنة - لم يقل رفعاً لمقامهم على مقام البشر؛ بل رداً على الذين يقولون: الملائكة آلهة، كما رد على