حتى يعترف بالفرق البين. وقرأ علىّ رضى اللَّه عنه: عُبيداً للَّه، على التصغير.
وروي: أن وفد نجران قالوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا؟ قال:"ومن صاحبكم" قالوا: عيسى، قال: وأى شيء أقول؟ قالوا: تقول: إنه عبد اللَّه ورسوله، قال:"إنه ليس بعارٍ أن يكون عبداً للَّه". قالوا: بلى، فنزلت: أي: لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه، فلو كان موضع استنكافٍ لكان هو أولى بأن يستنكف؛ لأنّ العار ألصق به. فإن قلت: علام عطف قوله: (ولَا الْمَلائِكَةُ)؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يعطف على (المسيح) أو على اسم (يكون)، أو على المستتر في (عَبْداً)؛ لما فيه من معنى الوصف لدلالته على معنى العبادة، كقولك: مررت برجلٍ عبدٍ أبوه، فالعطف على (المسيح) هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحرافٍ عن الغرض، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية، أو أن يعبد اللَّه هو ومن فوقه. فإن قلت: قد جعلت الملائكة وهم جماعة "عبداً" للَّه في هذا العطف، فما وجهه؟ قلت: فيها وجهان: أحدهما: أن يراد ولا كل واحدٍ من الملائكة، أو ولا الملائكة المقرّبون أن يكونوا عباداً للَّه، فحذف ذلك لدلالة (عبد الله) عليه إيجازاً، وأمّا إذا عطفتهم على الضمير في (عَبْداً) فقد طاح هذا السؤال ......
قوله:(فلا تستنكفوا له) أي: لعيسى عليه الصلاة والسلام.
قوله:(منه) أي: من أن يكون عبداً.
قوله:(لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه) هذا على أن يكون عطفاً على اسم {يَكُونُ}، وإنما كان منحرفاً لأن إسناد عدم الاستنكاف حينئذ منه لا من الملائكة، والذي سيق له الكلام عدم استنكاف الملائكة أيضاً، قال صاحب "التقريب": وجود "لا" في المعطوف يستدعي العطف على المسيح؛ لأنه المنفي أولاً.
قوله:(طاح) أي: سقط هذا السؤال؛ لأن {يَكُونُ} يدل على معنى العبادة، كأنه قيل: أن تعبد الله؛ لأن فعل الجماعة يوجد متقدماً عليها.