قوله:(ومعناه كراهة أن تضلوا)، قال الإمام: قال البصريون: المضاف محذوف. أي: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، كقوله تعالى:{وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢]. وقال الكوفيون: حرف النفي محذوف؛ أي: يبين الله لكم لئلا تضلوا، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا}[فاطر: ٤١] أي: لئلا تزولا. وقال الزجاج: إن "لا" تُضمر؛ لأن حذف حرف النفي لا يجوز ولكن يراد للتوكيد، ويجوز حذف المضاف، وهو كثير. وقال الجرجاني صاحب "النظم": يبين الله لكم الضلالة لتعلموا أنها ضلالة فتجتنبوها.
الراغب:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي: لترجعوا إلى كتابه إذا جهلتم فتعلموا منه، أي: يبين الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم أن تُنجزوه إذا تُركتم وشأنكم، ومن تبين له الضلالة تبين له الحق؛ فإن معرفة أحدهما مضمن لمعرفة الآخر، ولا يتم من دونه، وقد قال تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ}، بل هذا أبلغ من قولهم: يبين الله لكم أن لا تضلوا؛ لأن في معرفة الشر معرفة الخير، وليس في معرفة الخير المعرفتان جميعاً، فالإنسان إذا تُرك عن المزاجر والنواهي ولم يؤخذ بمقتضى العقل صار بالطبع بهيمة.
وقلت: النظم مع صاحب النظم؛ لأن هذه الخاتمة ناظرة على الفاتحة، وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}[النساء: ١]، فإن براعة الاستهلال دلت إجمالاً على أنهم كانوا على أمور يجب اجتنابها وضلالة أن يُتقى منها؛ ومن ثم فصلت أولاً بقوله:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ}[النساء: ٢]؛ قال المصنف:"كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله تعالى ومع ذلك يطمعون فيها"، وثانياً: بقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء: ٤]؛