أما الآية الأولى: فلما تضمنت دلائل الآفاق من الأجرام والأعراض، ذكر منها أعظمها جرماً في النظر، وأشملها تناولاً للأعراض، ليدخل في الأول سائر الأجسام، من الكبير والصغير، وفي الثاني جميع الأعراض: الظاهرة والخفية. ولهذا فسره الزجاج بالليل والنهار، والقاضي بالضلال والهداية.
والدليل على الاستيعاب: الجمع في أحد المكررين، والإفراد في الآخر، لأن في ذكر "الأرض" و"النور" مفردين، واقترانهما بالجمعين، إشعاراً بإرادة الجنسية في الإفراد، والاستغراق في الجمع. وفي ذكر "الخلق" و"الجعل" إشارةً إلى استيعاب الإنشاءين.
ثم إن الله تعالى بعد هذا الكلام الجامع، والبيان الكامل، نعي على الكفار بقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ {[الأنعام: ١] يعني: انظروا إلى هؤلاء الكفار، مع ظهور هذه الأدلة كيف يتركون عبادة خالق الأرض والسماوات، ويشتغلون بعبادة الحجارة والموات! وإليه الإشارة بقوله:"استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته".
وأما الآية الثانية، فلما اشتملت على دلائل الأنفس، ذكر فيها المبدأ والمنتهي تصريحاً، ولوح إلى ما يتوسطهما تلويحاً: ذكر خلقهم من طين، ونص على الأجلين، وعبر بـ {ثُمَّ {دلالةً على أطوار ما في النشء من النطفة، والعلقة، والمضغة المخلقة وغير المخلقة، والنشء حياً،