فإن قلت: فما معنى (ثم)؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ)[الأنعام: ٢] استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم.
مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ {[آل عمران: ٨١] إذا جعلت موصولةً لابد من راجعٍ في الصلة، فينبغي أن يجعل "ما معكم" في موضع الضمير الراجع، أي: مصدق له.
وقلت: ليس بذلك، لأنه من باب عطف حصول مضمون الجملتين، لقوله:"إنه خلق ما خلق، ثم هم يعدلون به". يعني: حصل من الله عز وجل خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور للمكلفين، ليعرفوه، ويوحدوه ويعبدوه، فحصل منهم عكس ذلك، حيث سووا معه غيره، نحو قوله تعالى: {وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ {[الواقعة: ٨٢]، فموقعه الفاء في الظاهر، فجيء بـ {ثُمَّ {للاستبعاد، ولأنه ليس من موضع وضع المظهر موضع المضمر، لأنه ابتداء كلام الكفار، على أنه لو قيل: ثم الكافرون والمشركون، كان ظاهراً أيضاً.
فإن قلت: {الحّمْدُ {هو: الثناء على الجميل، من نعمةٍ أو غيرها، فما معنى هذا الترتيب؟ قلت: معناه بيان فضله، وكمال حلمه ورحمته، كأنه قيل: ما أحلمه! وما أرحمه! لما يصدر منه تلك الفضائل والإنعام، وتقابل بذلك الكفر والكفران، ولا يصب عليهم العذاب صبا! كما في قوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ إنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا {[الفرقان: ٦].
قوله:(يعدلون به)، الأساس:"لا عدل له: لا مثل له. وما يعدلك عندي شيء: أي ما يشبهك".
قوله:(وكذلك {ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ {استبعاد). يعني: ذيل كلا من الآيتين بكلمة "الاستبعاد" بحسب ما تقتضيه من المعنى: