فإن قلت: المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا وجب تأخيره. فلم جاز تقديمه في قوله:(وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله:(وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ)[البقرة: ٢٢١].
فإن قلت: الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد، ولي عبدٌ كيس، ........
واعلم أن قطب هذه السورة الكريمة يدور مع إثبات الصانع، ودلائل التوحيد وما يتصل بها. انظر كيف جعل احتجاج الخليل على قومه، ومآله إلى قوله: {إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفًا {[الأنعام: ٧٨ - ٧٩]. وكيف أوقع أمر حبيبه صلوات الله عليه بقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ {[الأنعام: ٩٠] بعد ذكر معظم الأنبياء واسطة العقد، ولجة بحر التوحيد! ثم تفكر في قوله: {قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ {[الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣] كيف جاءت خاتمة لها! فسبحان من له تحت كل سورةٍ من كتابه كريم، بل كل آيةٍ وكلمةٍ، أسرار ينفد دون نفاد بيانها الأبحر!
قوله:(الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد). هذا السؤال غير واردٍ على القياس اللغوي، لأنهم إنما يوجبون تقديم الظرف إذا لم يكن المبتدأ مخصصاً، كما سبق في الكتاب. وعليه كلام صاحب "المفتاح" حيث قال: "ولا يجب التقديم على المنكر إذا كان موصوفاً. قال تعالى: {وأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ {[الأنعام: ٢]. ولكن وارد على استعمال الفصحاء فإنهم أوجبوا التقديم ولو كان مخصصاً"، ولهذا قال:"الكلام السائر".