لأنه نظر إلى القياس النحوي، والمصنف إلى استعمال الفصحاء، كما بينا أن المراد ها هنا تعظيم هذا الأجل، للفرق بين الأجلين، وما يكون معظماً مفخماً لابد أن يكون مهتماً بشأنه، والاهتمام موجب للتقديم. وهو المراد بقوله: (فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم".
وقال صاحب "الانتصاف": التعظيم لا يوجب التقديم. وقد ورد: {وعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ {[الزخرف: ٨٥]. والمراد: تعظيمها.
وقال صاحب "الإنصاف": "ولو مثل بقوله: {ولَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقّ {[المؤمنون: ٦٢] كان أحسن، لأنه نكرة موصوفة، و {عِلْمُ السَّاعَةِ {معرفة".
وقلت: أما تنظير صاحب "الانتصاف" فبعيد المرمى لفظاً ومعنىً، أما اللفظ فلما ذكر، وأما المعنى فلأن ذلك المقام يقتضي الاختصاص والحصر لا التعظيم، أي: عنده علم الساعة لا عند غيره. ونحو قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ {[الكافرون: ٦].
وأما التنظير الآخر فإنه وارد على مقتضي الاستعمال، ولا موجب لإزالته عن مفره، إذ موجب التقديم في تلك الآية الفرق بين الأجلين، ولا يراد ها هنا الفرق بين الكتاب وغيره، يعلم ذلك مما سبقه من قوله تعالى: {والَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وهُمْ لَهَا سَابِقُونَ* ولا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلاَّ وسْعَهَا ولَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ {[المؤمنون: ٦٠ - ٦٢].
قال القاضي: والاستئناف به لتعظيمه، ولذلك نكر، ووصف بأنه {مُسَمٍّى {، أي: مثبت