مكن له في الأرض: جعل له مكانا فيها، ونحوه: أرّض له، ومنه قوله:(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ)[الكهف: ٨٤]، (أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ)[القصص: ٥٧]، وأمّا "مكنته في الأرض": فأثبته فيها. ومنه قوله:(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)[الأحقاف: ٢٦]، ولتقارب المعنيين جمع بينهما في قوله:(مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ)، والمعنى: لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم؛ من البسطة في الأجسام، والسعة في الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا.
و(السماء): المظلة؛ لأن الماء ينزل منها إلى السحاب، .......
قلت: معناه: فسوف يأتيهم أنباءُ القرآن، ومن نزل عليه عند تباشير الظفر، ونصرة الله الإسلام، وقهر أعداء الدين، وغلبة أوليائه، أولم يروا كم أهلكنا من قبلهم من المكذبين، ونصرنا الأنبياء وضعفة المؤمنين على من هم أشد من هؤلاء!
قوله:(ولتقارب المعنيين جمع بينهما). يعني: قوله: "مكن له في الأرض"، وقوله:"مكنته في الأرض" بعد التفرقة بينهما من حيث اللفظ والمعنى منزلان منزلة معنىً واحدٍ في إعطاء معنى الكتابة، ويجمعهما كون الموصوف بهما في منعةٍ من الرجال، والسعة في الأموال والمآل والأحوال.
وإليه الإشارة بقوله:"لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم، من البسطة، والسعة، والاستظهار".
وتحريره: أن كونهم ثابتين في الأرض يدل على أنها جعلت مكاناً لهم، وهو يدل على كونهم في الاستظهار بأسباب الملك، في غايةٍ من الكمال.