قلت: أمره باستحضارهم- وهم شهداء بالباطل-، ليلزمهم الحجة، ويلقمهم الحجر، ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شيء، لتساوي أقدام الشاهدين والمشهود لهم في أنهم لا يرجعون إلى ما يصح التمسك به.
وقوله:(فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) يعني: فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم، لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم، وكان واحداً منهم، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من وضع الظاهر موضع المضمر؛ للدلالة على أنّ من كذب بآيات الله وعدل به غيره فهو مُتبع للهوى لا غير، لأنه لو اتبع الدليل لم يكن إلا مصدقا بالآيات موحداً لله تعالى.
فإن قلت: هلا قيل: قل هلم شهداء يشهدون أنّ الله حرّم هذا؟ وأي: فرقٍ بينه وبين المنزل؟ قلت: المراد أن يحضروا شهداءهم الذين علم أنهم يشهدون لهم وينصرون قولهم، وكان المشهود لهم يقلدونهم، ويثقون بهم، ويعتضدون بشهادتهم، ليهدم ما يقومون به، فيحق الحق ويبطل الباطل، فأضيفت الشهداء لذلك، وجيء بـ (الذين) للدلالة على أنهم شهداء معروفون موسومون بالشهادة لهم وبنصرة مذهبهم، والدليل عليه قوله تعالى:(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)، ولو قيل:"هلم شهداء يشهدون"
قوله:(لأنه إذا سلم لهم، فكأنه شهد معهم). تلخيصه: أن قوله: "لا تشهد معهم" أبلغ في النهي من قوله: "ولا تصدقهم"، فهو من باب الكناية، ويجوز أن يكون من باب المشاكلة.
قوله:(والدليل عليه)، أي: على أنهم شهداء معروفون، قوله تعالى:(فَإن شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)، لأنه لو أريد مطلق الشهداء، لم يقل:(فإن شهدوا)، فإن العاقل لا يشهد بالباطل، ومن يشهد بالحق لا يجوز أن يقال لمن يشهد معه: لا تشهد معه، أي: لا تصدقه.