فإن قلت: فما تصنع بقوله: (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)[الأنعام: ١٥٣] فيمن قرأ بالفتح، وإنما يستقيم عطفه على (ألا تشركوا) إذا جعلت "أن" هي الناصبة للفعل، حتى يكون المعنى: أتل عليكم نفى الإشراك والتوحيد، وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيماً؟ قلت: أجعل قوله (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً)[الأنعام: ١٥٣] علة للاتباع بتقدير اللام، كقوله تعالى:(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)[الجن: ١٨]، بمعنى: ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه. والدليل عليه القراءة بالكسر، كأنه قيل: واتبعوا صراطي لأنه مستقيم، أو: واتبعوا صراطي إنه مستقيم.
وأجاب عنه أن المانع من ذلك وجوب حمل (ألا تشركوا)، (ولا تقتلوا)، (ولا تقربوا) على أن تكون نواهي، ليحسن عطف "أحسنوا" و (وأوفوا) عليها. ولو جعلت "أن" ناصبة، و "لا" نافية، لزم عطف الطلبي على الخبري، فالواجب أن تجعل "أن" مفسرة، و "لا" ناهية، لتتفق الأوامر مع النواهي.
ثم أورد على القول الذي اختاره سؤالين.
أحدهما: قوله: "فما تصنع بقوله: (وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا)[الأنعام: ١٥٣]؟ ". وأجاب بأن الواو ليست عاطفة، بل هي استئنافية، والجملة معترضة مؤكدة لمضمون الجمل، واللام متعلقة بقوله:(فاتبعوه)، أي: فاتبعوا صراطي لأنه مستقيم، كما قدر في قوله:(وأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: ١٨]: أي: "فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد، لأنها لله تعالى خاصة". والدليل عليها القراءة بكسر "إن"، لأنها صريحة في العلية.