للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: إذا جعلت "أَنَّ" مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بـ (ما حرم ربكم)، وجب أن يكون ما بعده منهياً عنه محرما كله، كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي، فما تصنع بالأوامر؟ قلت: لما وردت هذه الأوامر مع النواهي، وتقدمهنّ جميعاً فعل التحريم، واشتركن في الدخول تحت حكمه، علم أن التحريم راجعٌ إلى أضدادها، وهي الإساءة إلى الوالدين، وبخس الكيل والميزان، وترك العدل في القول، ونكث عهد الله.

(مِنْ إِمْلاقٍ) من أجل فقر ومن خشيته، كقوله تعالى: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء: ٣١]. (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) مثل قوله: (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) [الأنعام: ١٢٠]، (إِلَّا بِالْحَقِّ) كالقصاص، والقتل على الردّة، والرجم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والسؤال الثاني قوله: "إذا جعلت "أن" مفسرة". وتقديره: أنك إذا جعلت "أن" مفسرةً لفعل التلاوة، لزمك أيضاً محذور، وهو وجوب اشتراك النواهي والأوامر في التحريم، لأن فعل التلاوة معلق بـ (ما حرم)، أي: مفعول له، وأجاب بما أجاب. فتفطن له، فإنه دقيق جداً.

قوله: (محرماً كله) بالرفع: إما تأكيد لقوله: "ما بعده"، أو فاعل "محرماً".

قوله: (أن التحريم راجع إلى أضدادها). قال صاحب "الفرائد": ومما يشاكل هذا في اعتبار المعطوف عليه من حيث المعنى: قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ) [البقرة: ٢٥٨]، ثم قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ) [البقرة: ٢٥٩]، وقوله: (وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى) [البقرة: ٢٦٠]، وقول الشاعر:

بدا لي أني لست مدرك ما مضى … ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا

<<  <  ج: ص:  >  >>