وقال القاضي رحمه الله:" (أو كسبت): عطف على (آمنت). والمعنى: لا ينفع الإيمان حينئذ نفساً غير مقدمةٍ إيمانها، أو مقدمةً إيمانها غير كاسبةٍ في إيمانها خيراً. وهو دليل لمن لم يعتبر الإيمان المجرد عن العمل، وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذاك اليوم. وحمل الترديد على اشتراط النفع بأحد الأمرين، على معنى لا ينفع نفساً خلت عنها إيمانها، والعطف على (لم تكن) بمعنى: لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ، وإن كسبت فيه خيراً قبل ذلك".
وقال الإمام:"المعنى: أن أشراط الساعة إذا ظهرت ذهب أو أن التكليف عندها فلم ينفع الإيمان نفساً ما آمنت قبل ذلك، وما كسبت في إيمانها خيراً قبل ذلك".
وقلت - والعلم عند الله -: والذي يقتضيه البلاغة والنظم الفائق، ويستدعيه مقام الحث على الاعتصام بحبل الله المجيد، والقرآن الكريم، والحض على الاهتداء بهديه، بقدر الوسع والإمكان، والاغتنام بالفرصة قبل فوات الأوان، ما عليه كلام ابن الحاجب، وصاحب "الانتصاف" مع تغيير يسير. وبيانه: أنه تعالى لما خاطب المعاندين المكذبين من قوم رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله: (وهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ واتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأنعام: ١٥٥]. وعلل الإنزال بقوله:(أَن تَقُولُوا إنَّمَا أُنزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا)[الأنعام: ١٥٦]، وبقوله:(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ)[الأنعام: ١٥٧]، إزاحةً للعذر، وإلزاماً للحجة - كر إلى قوله:(فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وهُدًى ورَحْمَةٌ)[الأنعام: ١٥٧] تبكيتاً لهم، وتقريراً لما سبق من طلب الاتباع والتقوى.