هلا اجتمعتها، افتعالاً من عند نفسك؛ لأنهم كانوا يقولون:(ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً)[سبأ: ٤٣]، أو: هلا أخذتها منزّلةً عليك مقترحة؟ (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) ولست بمفتعل للآيات، أو لست بمقترحٍ لها. (هذا بَصائِرُ): هذا القرآن بصائر (مِنْ رَبِّكُمْ) أي: حجج بينةٌ يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب.
الجامع له: جابية، وجمعها: جوابٍ. ومنه: جبيت الخراج، ومنه قوله تعالى:(يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)[القصص: ٥٧]. والاجتباء: الجمع على سبيل الاصطفاء. واجتباء الله العبد: تخصيصه إياه بفيضٍ إلهي، يتحصل منه أنواع من النعم، بلا سعي من العبد، وذلك للأنبياء وبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء".
قوله:(اجتمعتها افتعالاً من عند نفسك): "افتعالاً": حال من الفاعل في "اجتمعتها"، وهذا مبني على قوله: "اجتبي الشيء، بمعنى: جباه لنفسه"، وقوله: "هلا أخذتها منزلة" مبني على قوله: "أو جبي إليه فاجتباه". و"منزلة": حال من المفعول. ومعنى قوله: "هلا أخذتها منزلةً عليك مقترحة": هلا طلبت من الله وأنت مقترح، ليكون اقتراحك سبباً لأن يأخذها وهي مقترحة؟
فعلى هذا هو تهكم من الكفار، كقوله تعالى حكايةً عنهم:(يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ)[الحجر: ٦].
قوله:(أو هو بمنزلة بصائر القلوب): يريد: أن "البصائر" هاهنا إما من إطلاق المسبب على السبب؛ فإن المراد: هذا حجج وبرهان من ربكم، تفتح بها أعين عمي، وقلوب صفر عن البصيرة. ولما كانت الحجج سبباً لإدراك القلب، قيل:(هذا بصائر)، أو أنها استعارة، استعير لإرشاد القرآن الخلق إلى درك الحقائق البصائر.