فقوله تعالى:(ولا تكن من الغافلين) إشارة إلى هذا المقام.
ووجدت في بعض كلمات شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص السهروردي، قدس سره بلا شك أنه قال:"بنية العبد ووجوده يحكي مدينةً جامعة، وأعضاؤه وجوارحه بمثابة سكان المدينة وقطان البلد. والعبد، في وقت إقباله على الذكر، كمؤذن صعد منارةً على باب المدينة، ويقصد إسماع أهل المدينة بالأذان، فهكذا الذاكر المحقق، يقصد إيقاظ قلبه، وإنباه أجزائه وأبعاضه، يذكر بلسانه، ويعي الذكر بقلبه ومتفرقات جوارحه، فتكون مناداة الذكر باللسان، وصداه في قبة القالب، يستحضر بالذكر سكان مدينة النفس، ويستجمع شوارد عساكر الفهم والحس، يقول ببعضه، ويستمع بكله، إلى أن تنتقل الكلمة من اللسان إلى القلب، فيتنور بها، ويظفر بجدوى الأحوال، ثم ينعكس نور القلب على القالب، فيتزين بمحاسن الأعمال".
وقال أيضاً في "العوارف": "لا يزال العبد يردد هذه الكلمة على لسانه، مع مواطأة القلب، حتى تصير الكلمة متأصلةً في القلب، مزيلةً لحديث النفس، ينوب معناها في القلب عن كل حديث النفس. فإذا استولت الكلمة، وسهلت على اللسان، يتشربها القلب، ويصير الذكر حينئذٍ ذكر الذات، وهذا الذكر هو المشاهدة والمكاشفة والمعاينة. وهذا هو المقصد الأقصى من الخلوة. وقد يحصل هذا لا بذكر الكلمة بل بتلاوة القرآن، إذا أكثر من التلاوة، واجتهد في مواطأة القلب مع اللسان، حتى تجري التلاوة على اللسان، وتقوم مقام حديث النفس، فيدخل على العبد سهولة في التلاوة والصلاة". والله أعلم.