الأنفال استقر لله مع كراهتكم، وكان خيراً لكم؛ لما حصل لكم من تقوى الله وطاعة الرسول وإصلاح ذات البين، كما استقر إخراجي من المدينة إلى القتال مع كراهتكم إياه، وكان خيراً لكم؛ لما نلتم من الفتح والغنيمة. والأول مركب عقلي لقوله:"هذه الحال كحال إخراجك"، والثاني مركب وهمي، فلابد من تصور جزئيات الكلام، لئلا يختل أمر التمثيل، بخلاف الأول، فإنه يحصل من مجرد أخذ الزبدة والخلاصة، كما مر مراراً.
ثم استأنف مستطرداً بقوله:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إلى آخر الآيات، للحث على طاعة الله وطاعة رسوله وقلع الهوى الكامن في النفوس، والإيذان بأن المؤمن الكامل من يجعل هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، على ما روينا في "المصابيح" عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
ثم في تقديم عجز القصة - وهي ذكر قسمة الأنفال والسؤال فيها- على صدرها؛ وهو الخروج من المدينة إلى بدر، إلى آخر هذه القصة الواردة في هذه السورة: استبعاد لكراهتهم هذه بعدما شاهدوا أمثال هذه الحالة، فكرهوها، ثم تبين لهم حقيقتها، واستحضار لمعنى التأديب في قوله:(لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)[الحجرات: ١]، ولما تبني لهم من وجه الحكمة في قوله:(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) الآية [الحجرات: ٧].
كأن هذه السورة الكريمة من فاتحتها إلى خاتمتها جواب عن سؤال واحد، وإرشاد للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في تحري طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوخي رضاه، وامتنان عليهم بما