فنزل جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين: إمّا العير، وإمّا قريشا، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال:"ما تقولون؟ إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أن النفير؟ " قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدوّ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم ردّد عليهم فقال: "إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل"، فقالوا: يا رسول الله، عليك بالعير ودع العدوّ، فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال: انظر أمرك فامض، فو الله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال المقداد بن عمرو: يا رسول الله، امض لما أمرك الله،
وقيل: من الأدب أن يُقال: يعني "أعضضناه"؛ أي: جعلناه عاض أنامله، أو قلنا له: أعضضت علينا أناملك من الغيظ، يعني: ما حصل مطلوبك، وما ظفرت إلا بعض أناملك من الغيظ، وتحقيق هذه الكناية: أوقعناه فيما يصير به نادماً يعض أنامله، فإنه إذا قصد العير ولم يجده ندم على المسير، كقوله تعالى:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)[الفرقان: ٢٨]، أو غضب كقوله تعالى:(عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ)[آل عمران: ١١٩].
قوله:(قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم … فقالوا: يا رسول الله، عليك بالعير ودع العدو): وهذا هو المراد من إيراد هذه القصة؛ لأن القصة سيقت لبيان أن قوله:(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) حال، كما علم من كلامه.
قوله:(فأحسنا): أي: أحسنا الكلام في اتباع مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:(إلى عدن أبين)، النهاية:"عدن أبين: مدينة معروفة باليمن، أضيفت إلى "أبين" بوزن "أبيض"، وهو رجل عدن بها، أي: أقام".
قوله:(ثم قال المقداد بن عمرو): روينا في "صحيح البخاري" عن ابن مسعود قال: "أتى