فيها أحد من فرق الناس؛ كالمشركين والمنافقين وأهل الكتاب والمؤمنين، إلا بُولغ في شأنهم أقصى الغاية، لا ترى أبلغ منها.
أما المشركون والمنافقون وأحوالهم فلا حاجة إلى البيان. وأما المؤمنون الخُلص فورود قوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ)، إلى قوله:(أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: ٢٤]، وهو من أشد ما يُخاطب به المخالف، فكيف الموافق؟ ولهذا قال الحسن: عقوبة آجلة وعاجلة، وهذه آية شديدة لا ترى أشد منها.
وأما أهل الكتاب فإن قوله تعالى:(قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة: ٢٩] إلى منتهى قوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ)[التوبة: ٣٤ - ٣٥] جامع لخزي الدنيا والصغار والذلة وخزي الآخرة على أبلغ ما يكون.
ويقرب مما رُوي عن حذيفة: ما روى البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس: سورة التوبة، قال: بل هي الفاضحة، ما زالت تقول:(وَمِنْهُمْ)، (وَمِنْهُمْ)، حتى ظنوا أن لا يبقى أحدٌ إلا ذُكر فيها".
وأما تسميتها بالتوبة: فلقوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)[التوبة: ١١٧]، إلى قوله:(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا)[التوبة: ١١٨]، فغُلبت على العذاب، فسميت بالتوبة.
وأما ما رواه المصنف عن حذيفة، فمعناه: أنه غلب الأغلب الأقوى على الأقل الأضعف، غير لازم، فغن سورة البقرة سميت: بقرة، على أن حديث البقرة نزر قليل بالنسبة إلى غيره.