للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: قد دل بالجملة قبلها على عظمة شأنه وملكه بخلق السماوات والأرض، مع بسطتها واتساعها في وقت يسير، وبالاستواء على العرش، وأتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة، وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره.

وكذلك قوله: (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) دليل على العزة والكبرياء، كقوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [النبأ: ٣٨].

و(ذلِكُمُ) إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة، أي: ذلك العظيم الموصوف بما وصف به: هو ربكم، وهو الذي يستحق منكم العبادة، (فَاعْبُدُوهُ) وحده،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وبالاستواء على العرش): عطف على "بخلق السماوات والأرض"، وهو بدل من قوله: "بالجملة" بإعادة العامل، وكرر الباء في المعطوف ليؤذن باستقلاله بنفسه، وفيه لف، فقوله: "على عظمة شأنه" مستفاد من قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله: "ومُلكه" -أي: عظمة مُلكه-من قوله: (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)، فكان قوله: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ) تتميماً لهذا المعنى، لأن الأول دل على عظم الشؤون وجلائل الأمور، وهذا على توابعها، وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وقدره، وكذلك قوله: (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) تتميم للمجموع وتمثيل لما عُهد من السلاطين من اجتماع الملأ حول سرير الملك، وعليه قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ) [النبأ: ٣٨].

قال القاضي: "فيه رد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وإثبات الشفاعة لمن أذن له". قلت: آذن - رحمه الله- بارتباط هذه الآية مع قوله: (وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) [يونس: ١٨].

قوله: (أي: ذلك العظيم الموصوف بما وصف به) إلى آخره: إشارة إلى أن في اسم الإشارة

<<  <  ج: ص:  >  >>