للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على وجه الإحاطة والشمول، (جَمِيعاً) على الإيمان مطبقين عليه، لا يختلفون فيه، ألا ترى إلى قوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) يعنى: إنما يقدر على إكراههم واضطرارهم إلى الإيمان هو لا أنت، وإيلاء الاسم حرف الاستفهام، للإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه، وإنما الشأن في المكره؛ من هو؟ وما هو إلا هو وحده لا يشارك فيه، لأنه هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرّون عنده إلى الإيمان، وذلك غير مستطاع للبشر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والإلجاء، ليتم له". وقال القاضي: "هو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ إيمانهم أجمعين، وأن من شاء إيمانه يؤمن لا محالة، والتقييد بمشيئة الإلجاء خلاف الظاهر".

قوله: (للإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه): ومذهب المعتزلة: أن الله تعالى قادر على فعل القبائح، لكن الحكمة صارفة عنه، وقد أشار إليه في سورة الأنبياء، في قوله: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبياء: ١٧] ن فدل هذا على أن افكراه ممكن، ودل قوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) على وقوعه قطعاً، لأن إيلاء الضمير حرف الاستفهام يدل على وقوع الفعل وحصوله، لكن الكلام في الفاعل؛ هو هذا المذكور أم غيره؟ قال صاحب "المفتاح": "فلا يجوز بعدما عرفت أن التقديم يستدعي العلم بحال نفس الفعل: أنت ضربت زيداً؟ ".

فقول المصنف بـ"أن الإكراه ممكن مقدور عليه" خلاف مايقتضيه التركيب، فالمعنى: أن الله عز وجل وحده فاعل هذا الإكراه الموجود لا أنت، لأن الإيمان والأعمال الصالحة مشروع على خلاف مقتضى الطبيعة والجبلة الإنسانية، لأنها مائلة على اللذات والشهوات وحُب الرئاسة، ولا يقدر على إيجاد خلاف ما تقتضيه الطبيعة إلا الله عز وجل، ويعضده قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)، أي: لا ينبغي ولا يستقيم بالنظر إلى جبلته وخلقته ان يؤمن لأنه مناف له، إلا أن يسهل الله عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>