وانظروا فيه بعين الإنصاف، لتعلموا أنه دين لا مدخل فيه للشك، وهو أنى لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم، (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) وإنما وصفه بالتوفي، ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى، فيعبد دون مالا يقدر على شيء.
(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى: أنّ الله أمرني بذلك، بما ركب فيّ من العقل، وبما أوحى إلىّ في كتابه. وقيل: معناه إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه: أثبت عليه أم أتركه وأوافقكم، فلا تحدّثوا أنفسكم بالمحال، ولا تشكوا في أمري، واقطعوا غنى أطماعكم، واعلموا أنى لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، ولا أختار الضلالة على الهدى، كقوله:(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ)[الكافرون: ١ - ٢].
(أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ) أصله: بأن أكون، فحذف الجار، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد؛
ليس سبباً لكونها من عند الله تعالى، من جهة كونه فرعاً عنه، فالآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها، فاستقرارها- مجهولة أو مشكوكة- سبب للإخبار بكونها من الله تعالى"، كذا هاهنا؛ كونهم شاكين معرضين عن دين الله: سبب لإقامة دعوته صلوات الله عليه، بإثبات التوحيد، وغسماعه إياهم، ليعرضوه على عقولهم.
قوله:(وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد) إلى آخره: قال صاحب "التقريب": "وفيه نظر؛ لأن تفسيره المطرد بحذف حروف الجارة مع "أن"، يقتضي كونه من المطرد قطعاً، فلعل المراد من قوله:"وهذا الحذف": أن هذا النوع من الحذف، وهو حذف حرف الجر بعد فعل الأمر مثلاً، يحتمل المطرد كما نحن فيه، وغير المطرد كـ "أمرتك الخير"، ونحوه.