والثاني أن يكون عبارةً عن التأييد ونفي الانقطاع، كقول العرب: ما دام تعار، وما أقام ثبير، وما لاح كوكب، وغير ذلك من كلمات التأبيد.
فإن قلت: فما معنى الاستثناء في قوله (إلا ما شاء ربك)، وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الأبد من غير استثناء؟ قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة، وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعاً منهم، وهو رضوان الله، كما قال:(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ)[التوبة: ٧٢]، ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء.
بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه، ومن عرفه فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب، فلا يجدي له التشبيه". وأجيب عنه: بأنه ليس هذا من التشبيه بما لا يعرف، بل هو من تشبيه ما لا يعرف بما يعرف، فإنه شبه تلك الدار بهذه الدار، وأثبت لها ما لهذه من المظلة والمقلة، والجامع كونهما جسمين، وإثبات الدوام للمشبه به مبني على العرف والعادة، كما قال: ما لاح كوكب، ما دام تعار.
قوله:(ما دام تعار)، النهاية: "تعار: جبل معروفن يصرف ولا يُصرف"، وفي الحديث ذكر ثبير، وهو الجبل المعروف عند مكة.